عن أبي بصير عن أبي عبد الله الحسين قال : ( إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس ومن قرآها قبل أن يمسي كان نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتى يمسي ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكل الله به ألف ملك يحفظونه من شر كل شيطان رجيم ومن كل آفة وإن مات في يومه أدخله الله الجنة وحضر غسله ثلاثون ألف ملك كلهم يستغفرون له ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له فإذا ادخل في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون الله وثواب عبادتهم له وفسح له في قبره مد بصره وأومن من ضغطة القبر ولم يزل له في قبره نور يسطع إلى عنان السماء إلى أن يحرجه الله من قبره فإذا أخرجه لم يزل الملائكة يشيعونه ويحدثونه ويضحكون في وجهه ويبشرونه بكل خير حتى يجوزونه الصراط والميزان ويوقفونه من الله موقفاً لا يكون عند الله خلقاً أقرب منه إلا الملائكة المقربون وأنبياؤه المرسلون وهو مع النبيين واقف بين يدي الله لا يحزن مع من يحزن ولا يهم مع من يهم ولا يجزع مع من يجزع ثم يقول له الرب تبارك والله : اشفع عبدي أشفعك في جميع ما تشفع وسلني أعطك عبدي جميع ما تسأل فيسأل فيعطى ويشفع فيشفع ولا يحاسب فيمن يحاسب ولا يوقف مع من يوقف ولا يذل مع من يذل ولا ينكس بخطيئته ولا بشيء من سوء عمله ويعطى كتابا منشوراً حتى يهبط من عند الله فيقول الناس بأجمعهم : سبحان الله ما كان لهذا العبد من خطيئة واحدة ويكون من رفقاء محمد – صلى الله عليه وآله وسلم –
[محل شك]هذه السورة مكية ذات فواصل قصيرة . وايقاعات سريعة ، وقصر الفواصل مع سرعة الايقاع يطبع السورة بطابع خاص ، فتتلاحق إيقاعاتها وتدق على الحس دقات متوالية ، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها ، وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار .
الموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية . وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها : ( يس . والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين ) وتسوق أصحاب القرية إذ جاءها المرسلين . لتحذر من عاقبة التكذيب بالرسالة والوحي ، وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه . وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته : ( إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية .فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول : (ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ؟ ) ... وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى : ( واتخدوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون ) .القضية التي يشتد عليها التركيز هي قضية البعث والنشور وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة تجيء في أولها : ( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) . وتأتي في قصة أصحاب القرية. فيما وقع للرجل المؤمن . وقد كان جزاؤها العاجل في السياق قال : ( ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ...ثم ترد في وسط السورة : ( ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ ) ...ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد يوم القيامة . وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار : ( وضرب لنا مثلاً ونسى خلقه قال من يحي العظام وهي رميم ؟ قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .
هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها . تتكرر في السور المكية . ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة ، تحت ضوء معين ، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها ، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها . هذه المؤثرات متنوعة في هذه السورة ، من مشاهد يوم القيامة ، ومن مشاهد القصة ، ومن مصارع الغابرين ، ومن المشاهد الكونية المتنوعة . وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظة . منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقحمون ). ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله ، ومنها تصوير لصورة الخلق بكلمة لا تزيد : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ) ... وكلها مؤثرات تلمس القلب البشرى وهو يرى مصداقها في واقع الوجود .
ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط :
يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين : ( يا . سين ) وبالقرآن الكريم ، على رسالة النبي – صلى الله عليه وسلم _ يتلو ذلك الكشف عن النهايه البائسة للغافلين الذين يكذبون ، وهي حكم الله بألا يجدوا إلى الهداية سبيلا ، وأن يحال بينهم وبينها أبداً .ثم يوجه رسول الله –صلى الله عليه وسلم _ إلى أن يضرب مثلاً أصحاب القرية ، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين .ويعرض طبيعة الإيمان في قلب المؤمن وعاقبة الإيمان والتصديق .
ويبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين يكذبون كل رسول ، غير معتبرين بمصارع المكذبين ، ويعرض مشاهد كونية ومشهداً مطولاً من مشاهد يوم القيامة .
ويلخص الشوط الثالث موضوعات السورة كلها ،ويعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة . وينعي عليهم اتخاد آلهة من دون الله ، ويتناول قضية البعث والنشور ويذكرهم بالنشأة الأولى ، والله قادر على خلق البشر في الأولى والآخرة ، ويجيء الإيقاع الأخير : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له ! كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون )